خطبة الجمعة المذاعة والموزعة
بتاريخ 18 من ربيع الآخر 1447هـ الموافق 10 /10 / 2025م
فَضْلُ وَأَحْكَامُ الْمَسَاجِدِ
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( [آل عمران:102]، )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا( [النساء:1]، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا( [الأحزاب:70-71].
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ.
عِبَادَ اللهِ:
أُوصِيكُمْ وَنَفْسـِي بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى؛ فَهِيَ خَيْرُ وَصِيَّةٍ أَوْصَى اللَّهُ بِهَا الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ؛ ] وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ( [النساء:131].
إِخْوَةَ الْإِيمَانِ:
اعْلَمُوا -أَرْشَدَكُمُ اللَّهُ لِطَاعَتِهِ- أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ خَصَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِعِدَّةِ خَصَائِصَ، وَإِنَّ مِنْ أَبْرَزِ هَذِهِ الْخَصَائِصِ وَالْمَعَالِمِ: الْمَسَاجِدَ بُيُوتَ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي شَرَعَ بِنَاءَهَا، وَحَثَّ عَلَى السَّعْيِ فِي عِمَارَتِهَا، وَجَعَلَهَا عَلَامَةً مِنْ عَلَامَاتِ الْإِيمَانِ، قَالَ تَعَالَى: ] إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ( [التوبة:18]، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: سَمعتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: «مَنْ بَنَى مَسْجدًا يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللهِ، بَنَى اللهُ لَهُ بيتًا فِي الْجَنَّةِ»، فَطُوبَى لِمَنْ بَنَى لِلَّهِ تَعَالَى مَسْجِدًا يُعْبَدُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ وَيُذْكَرُ فِيهِ اسْمُهُ، قَالَ تَعَالَى: ] فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ([النور:26-27].، قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ سَعْدِيٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِهِ: (الْمُرَادُ أَنْ يُتَعَبَّدَ لِلَّهِ ] فِي بُيُوتٍ( عَظِيمَةٍ فَاضِلَةٍ، هِيَ أَحَبُّ الْبِقَاعِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَهِيَ الْمَسَاجِدُ، أَمَرَ رَبُّنَا وَوَصَّى بِأَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ جَلَّ وَعَلَا، هَذَانِ الْأَمْرَانِ فِيهِمَا مَجْمُوعُ أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ، فَيَدْخُلُ فِي رَفْعِهَا: بِنَاؤُهَا وَتَنْظِيفُهَا مِنَ النَّجَاسَةِ وَالْأَذَى، وَأَنْ تُصَانَ عَنِ اللَّغْوِ وَرَفْعِ الْأَصْوَاتِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ، وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ] وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ( الصَّلَاةُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَالتَّسْبِيحُ وَالتَّهْلِيلُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْعِبَادَاتِ الَّتِي تُفْعَلُ فِي الْمَسَاجِدِ؛ وَلِهَذَا كَانَتْ عِمَارَةُ الْمَسَاجِدِ عَلَى قِسْمَيْنِ: عِمَارَةٍ حِسِّيَّةٍ بِبِنَائِهَا وَصِيَانَتِهَا، وَعِمَارَةٍ مَعْنَوِيَّةٍ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ فِيهَا مِنَ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْعِبَادَاتِ، وَهَذَا أَشْرَفُ الْقِسْمَيْنِ، ثُمَّ مَدَحَ اللَّهُ تَعَالَى عُمَّارَهَا بِالْعِبَادَةِ فَقَال: ] يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا ( إِخْلَاصاً له تَعَالَى ] بِالْغُدُوِّ ( فِي أَوَّلِ النَّهَارِ ]وَالْآصَالِ ( فِي آخِرِهِ، ] رِجَالٌ ( جَعَلُوا طَاعَةَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَعِبَادَتَهُ غَايَةَ مُرَادِهِمْ، وَنِهَايَةَ مَقْصِدِهِمْ.
إِخْوَةَ الإِسْلَامِ:
لَقَدْ شَرَعَ رَبُّنَا تَبَارَكَ تَعَالَى لِلْمَسَاجِدِ أَحْكَامًا لَمْ يَشْـرَعْهَا لِغَيْرِهَا، وَذَلِكَ لِعِظَمِ مَكَانَتِهَا فِي الْإِسْلَامِ، وَمِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ يَا رَعَاكُمُ اللَّهُ: أَنَّ دُخُولَ الْمَسْجِدِ يَكُونُ عَلَى صِفَةٍ خَاصَّةٍ، بِتَقْدِيمِ الرِّجْلِ الْيُمْنَى؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ أُعِدَّتْ لِكُلِّ مَا هُوَ مِنْ بَابِ التَّكْرِيمِ، فَعَن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: (مِنَ السُّنَّةِ إذَا دَخَلْتَ الْمَسْجِدَ أَنْ تَبْدَأَ بِرِجْلِكَ الْيُمْنَى) [رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانِيُّ]، وَلَمَّا كَانَتِ الْمَسَاجِدُ أَحَبَّ الْبِقَاعِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، أَرْشَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ إلَى أَدْعِيَةٍ جَامِعَةٍ مُنَاسِبَةٍ لِلْحَالِ، فَقَدْ جَاءَ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذا دَخَلَ أحَدُكُمُ المَسْجِدَ، فَلْيَقُل: اللَّهُمَّ افْتَحْ لي أبْوابَ رَحْمَتِكَ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]، وَإِذَا هَمَّ بِالْخُرُوجِ مِنَ الْمَسْجِدِ سُنَّ لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ رِجْلَهُ اليُسْـرَى وَيَقُولَ: (اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ)، وَمِنْ أَحْكَامِ حُضُورِ بُيُوتِ اللَّهِ تَعَالَى لِعِبَادَتِهِ، أَنْ يُصَلِّيَ الدَّاخِلُ رَكْعَتَيْنِ تَعْظِيمًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَإِكْرَامًا لِمَوْضِعِ الْعِبَادَةِ، وَهَذِهِ الصَّلَاةُ هِيَ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى مَشْـرُوعِيَّةِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قال: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجِدَ، فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ» [رَوَاهُ الشَّيْخَانِ].
إِخْوَةَ الْإِيمَانِ:
إذَا دَخَلَ الْمُصَلِّي وَالْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ، دَخَلَ مَعَهُ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ، وَذَلِكَ لِمَا وَرَدَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ]، قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: (اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الدُّخُولِ مَعَ الْإِمَامِ فِي أَيِّ حَالٍ وُجِدَ عَلَيْهَا). وَمِنْ أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ أَيْضًا يَا عِبَادَ اللَّهِ: عَدَمُ رَفْعِ الصَّوْتِ فِيهَا، وَتَرْكُ اللَّغَطِ وَكُلِّ مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ تَعْظِيمِهَا، لِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذِهِ المَسَاجِدَ لَا يَصْلُحُ فِيها شيءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّهْلِيلُ وَقِرَاءَةُ القُرْآنِ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ]، وَإِذَا كَانَ هَذَا النَّهْيُ عَنِ الكَلَامِ فَكَيْفَ بِمَنْ يَضَعُونَ النَّغَمَاتِ الْمُوسِيقِيَّةَ فِي هَوَاتِفِهِمْ، يُؤْذُونَ بِأَصْوَاتِهَا الْمُصَلِّينَ، فَلْنَتَّقِ اللَّهَ يَا عِبَادَ اللَّهِ، وَلْنَعْمَلْ بِأَحْكَامِهِ عَلَى بَصِيرَةٍ، اللَّهُمّ عَلِّمْنَا مَا يَنْفَعُنَا، وَانْفَعْنَا بِمَا عَلَّمْتَنَا، وَزِدْنَا عِلْمًا يَا عَلِيمُ.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، قَدْ قُلْتُ: مَا قُلْتُ، إِنْ صَوَابًا فَمِنَ اللهِ، وَإِنْ خَطَأً فَمِنْ نَفْسِي وَالشَّيْطَانِ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وَخَطِيئَةٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ؛ فَإِنَّهُ مَنِ اتَّقَاهُ وَقَاهُ، وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ نَجَّاهُ.
عِبَادَ اللهِ:
لَا رَيْبَ أَنَّ الْأَذِيَّةَ فِي الْمَسَاجِدِ وَالتَّشْوِيشَ عَلَى الْمُصَلِّينَ وَالذَّاكِرِينَ مُنْكَرٌ عَظِيمٌ، يُنْبِئُ عَنْ تَسَاهُلٍ فِي احْتِرَامِ الْمَسَاجِدِ، وَعَدَمِ مُرَاعَاةِ الْمُتَعَبِّدِينَ فِيهَا، وَالْمَطْلُوبُ مِنَ الْمُسْلِمِ الَّذِي قَصَدَ بَيْتَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ مُتَحَلِّيًا بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ مِنَ السَّمَاحَةِ وَالهُدُوءِ، فَلَا يُشَوِّشُ عَلَى إِخْوَانِهِ، وَمِنَ التَّشْوِيشِ عَلَى الْمُصَلِّينَ وَأَذِيَّتِهِمْ قَبْلَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ: تَخَطِّي رِقَابِهِمْ وَرَفْعُ الْأَرْجُلِ فَوْقَ رُؤُوسِهِمْ، لَا سِيَّمَا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تَخَطِّي الرِّقَابِ، فَقَالَ لِلَّذِي رَآهُ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ: (اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ) [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ].
وَمِنَ التَّشْوِيشِ عَلَى الْمُصَلِّينَ قَبْلَ الْإِقَامَةِ: رَفْعُ الصَّوْتِ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بِحَيْثُ يَتَأَذَّى بِجَهْرِهِ الْقَارِئُ وَالْمُصَلِّي؛ وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ، فَكَشَفَ السِّتْرَ، وَقَالَ: «أَلَا إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ، فَلَا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلَا يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ»، [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ]، وَإِنَّ الْمُرُورَ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي وَسُتْرَتِهِ فِعْلٌ مُحَرَّمٌ؛ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِيهِ النَّهْيُ الْأَكِيدُ وَالْوَعِيدُ الشَّدِيدُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ يَعْلَمُ المَارُّ بَيْنَ يَدَيِ المُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ، لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي جُهَيْمٍ t]، وَالْمَسَاجِدُ -يَا عِبَادَ اللَّهِ- بُيُوتُ اللَّهِ تَعَالَى بُنِيَتْ لِذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ وَعِبَادَتِهِِ، لَا لِلتَّكَسُّبِ وَجَمْعِ حُطَامِ الدُّنْيَا؛ وَلِذَا مُنِعَ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَنَشْدُ الضَّالَّةِ فِيهَا؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إِيذَاءِ الْمُصَلِّينَ وَالذَّاكِرِينَ.
عبادَ اللهِ:
صَلُّوا وَسَلِّمُوا -رَحِمَكُمُ اللَّهُ تَعَالَى- عَلَى خَيْرِ الْبَرِيَّةِ، وَأَزْكَى الْبَشَرِيَّةِ: مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ صَاحِبِ الْحَوْضِ وَالشَّفَاعَةِ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَمْرٍ بَدَأَ فِيهِ بِنَفْسِهِ، وَثَنَّى بِمَلَائِكَتِهِ الْمُسَبِّحَةِ بِقُدْسِهِ، وَأَيَّهَ بِكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائلٍ: ]إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ( [الأحزاب:51] اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ، صَاحِبِ الوَجْهِ الأَنْوَرِ، والجَبِينِ الأَزْهَرِ، وارضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الأَرْبَعَةِ الرَّاشِدِينَ: أَبِي بَكرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الآلِ والصَّحْبِ أَجْمَعِينَ، وَعَنِ التَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَومِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وَجُودِكَ وَكَرَمِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُسْتَضْعَفِينَ الْمُوَحِّدِينَ، وَدَمِّرْ أَعْدَاءَ الدِّينِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُمَا فِي رِضَاكَ، وَارْزُقْهُمَا الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ الَّتِي تَدُلُّهُمْ عَلَى الْخَيْرِ وَتُعِينُهُمْ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا كَمَا رَبَّوْنَا صِغَارًا، اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا بِرَّهُمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا، اللَّهُمَّ لَا تَدَعْ لَنَا ذَنْبًا إِلَّا غَفَرْتَهُ، وَلَا هَمًّا إِلَّا فَرَّجْتَهُ، وَلَا مَرِيضًا إِلَّا شَفَيْتَهُ، وَلَا مُبْتَلًى إِلَّا عَافَيْتَهُ، وَلَا مَحْرُومًا مِنَ الْأَوْلَادِ إِلَّا وَهَبْتَهُ، رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذَرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا.
عِبَادَ اللهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. فَاذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاَللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة